فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنهم من قال: اللفظ عام خص منه ما نزل فيه وحي فيبقى حجة في الباقي، وكيف لا وإنه كان مأمورًا بالاجتهاد فيما لم ينزل فيه وحي لعموم {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2] والاجتهاد يتقوى بالمناظرة والمباحثة وقد شاورهم يوم بدر في الأسارى وكان من أمور الدين، وقد عد المشاورة من جملة ما خص النبي صلى الله عليه وسلم بالوجوب عليه لأن ظاهر الأمر للوجبوب. وقد يروى عن الشافعي أنه حمله على الندب قال: وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: «البكر تستأمر في نفسها» ولو أكرهها الأب على النكاح جاز لكن الأولى ذلك تطييبًا لنفسها فكذا هاهنا.
{فإذا عزمت} أي قطعت الرأي على شيء بعد الشورى {فتوكل على الله} لأن الاعتماد في جميع الأمور عليه لا على الفكر والتدبير والرأي الحسن.
عن جابر بن زيد أنه قرأ {فإذا عزمت} بالضم إذا أرشدتك إلى شيء وألزمته إياك فتوكل علي ولا تشاور بعد ذلك أحدًا.
{إن ينصركم الله} عن ابن عباس: إن ينصركم كما نصركم يوم بدر فلا يغلبكم أحد {وإن يخذلكم} كما خذلكم يوم أحد {فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي من بعد خذلالنه لدلالة الفعل عليه، أو هو من قولك: ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان تريد إذا جاوزته. وقيل: إن ينصركم بجذبات العناية فلا غالب لكم من الصفات البشرية، وإن يخذلكم بترك الجذبات فمن ينصركم بعده من الأنبياء والأولياء؟ فإنه القادر على الإخراج عن هذا الوجود كما أنه هو القادر على الأدخال فيه.
{وعلى الله} وليخص المؤمنون إياه بالتوكل لما علم أن الأمر كله له ولا رادّ لقضائه ولا دافع لبلائه، ولأن الإيمان يوجب ذلك ويقتضيه. وليس المراد بالتوكل أن يهمل الإنسان حال نفسه بالكلية ويرفض الوسائط والأسباب كما يتصور الجهال وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيًا للأمر بالتوكل، وإنما التوكل هو أن يراعي الأسباب الظاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعوّل على عصمة الحق وتأييده وتوفيقه وتسديده. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} شرطٌ وجوابه، وكذلك قوله: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الذي} وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب- كذا قوله أبو حيان. يعني من الغيبة في قوله: {لِنتَ لَهُمْ} وقوله: {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وقوله: {فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر}.
قال شهاب الدين: وفيه نظر. وجاء قوله: {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} جوابًا للشرطِ، وهو نفيٌ صريحٌ، وقوله: {فَمَن ذَا الذي}- وهو متضمن للنفي- جوابٌ للشرط الثاني، تلطفًا بالمؤمنين، حيث صرح لهم بعدم الغلبة في الأول، ولم يصرح لهم بأنه لا ناصر لهم في الثاني بل أتى به في صورة الاستفهام- وإن كان معناه نفيًا.
وقرا عمرو بن عبيد: {يُخْذِلْكُم}- بضم الياء- من أخْذَلَ- رباعيًا- والهمزة فيه لجعل الشيء، أي: إن يجعلكم مخذولين، والخّذْل والخُذلان- ضد النصر- وهو ترك من يظن به النُّصرة، وأصله من خَذَلَت الظبيةُ ولدَها- إذا تركته منفردًا- ولهذا قيل لها: خاذل ويقال للولدِ المتروك- أيضا-: خاذل، وهذا النَّسَبِ، والمعنى: أنَّها مخذولة.
قال الشاعرُ: [البسيط]
بِجِيدِ مُغْزِلَةٍ أدْمَاءَ خَاذِلَةٍ ** مِنَ الظِّبَاءِ تُرَاعِي شَادِنًا خَرِقًا

ويقال له- أيضا-: خذول، فعول بمعنى مفعول.
قال الشاعر: [الطويل]
خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَبًا بِخَمِيلَةٍ ** تَنَاوَلُ اطْرَافَ الْبريرِ وتَرْتَدِي

ومنه يقال: تخاذلَتْ رجلا فلان.
قال الأعشى: [الرمل]
بَيْنَ مَغْلوبٍ كَريمٍ جَدُّهُ ** وخَذُولِ الرَجْلِ مِنْ غَيْرِ كَسَحْ

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

{إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}.
قال عليه الرحمة:
المؤمنون نصرته لهم بالتوفيق للأشباح ثم بالتحقيق للأرواح.
ويقال ينصركم الله بتأييد الظواهر وتسديد السرائر.
ويقال للنصرة إنما تكون على العدو، وأعدى عدوك نَفْسُكَ التي بين جنبيك. والنصرة على النَّفْس بأن تهزم دواعي مُنَّتِها بعواصم رحمته حتى تَنْفَضَّ جنود الشهوات بهجوم وفود المنازلات فتبقى الولاية لله خالصةً من شبهات الدواعي التي هي أوصاف البشرية، وشهوات النفوس وأمانيها، التي هي آثارالحجبة وموانع القربة.
{وَإِن يَخْذُلْكُمْ} الخذلان التخلية مع المعاصي، فَمَنْ نَصَرَه قبض على يديه عن تعاطي المكروه، ومن خَذَلَه أَلقى حَبْله على غاربه، وَوَكَلَه إلى سوء اختياره، فيفترق عليه الحال في أودية الشهوات، فمرة يُشَرِّق غير محتشِم، وتارة يُغَرِّب غير مُحترِم، ألا ومن سبَّبه الحق فلا آخذ بيده، ومن أسلمه فلا مجيرَ له.
{وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ}:
في وجدان الأمان عند صدق الابتهال، وإسبال ثوب العفو على هناة الجُرْم عند خلوص الالتجاء، بالتبري من المنَّة والحول.
ويقال لما كان حديث النصرة قال: {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}، ولما كان حديث الخذلان لم يقل {فلا ناصر لكم} بل قال بالتلويح والرمز: {فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُمْ مِّن بَعْدِهِ}: وفي هذا لطيفةٌ في مراعاة دقائق أحكام الخطاب. اهـ.

.من فوائد أبي حيان:

قال رحمه الله:
{إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} هذا التفات، إذْ هو خروج من غيبة إلى الخطاب.
ولما أمره بمشاورتهم وبالتوكل عليه، أوضح أنَّ ما صدر من النصر أو الخذلان إنما هو راجع لما يشاء.
وأنَّه متى نصركم لا يمكن أن يغلبكم أحد، ومتى خذلكم فلا ناصر لكم فيما وقع لكم من النصر، أو بكم من الخذلان كيومي: بدر وأحد، فبمشيئته.
وفي هذا تسلية لهم عما وقع لهم من الفرار.
ثم أمرهم بالتوكل، وناط الأمر بالمؤمنين، فنبه على الوصف الذي يناسب معه التوكل وهو الإيمان، لأن المؤمن مصدق بأن الله هو الفاعل المختار بيده النصر والخذلان.
وأشركهم مع نبيهم في مطلوبية التوكل، وهو إضافة الأمور إلى الله تعالى وتفويضها إليه.
والتوكل على الله من فروض الإيمان، ولكنه يقترن بالتشمير في الطاعة والجزامة بغاية الجهد، ومعاطاة أسباب التحرز، وليس الإلقاء باليد والإهمال لما يجب مراعاته بتوكل، وإنما هو كما قال صلى الله عليه وسلم: «قيدها وتوكل» ونظير هذه الآية: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده} والضمير في من بعده عائد على الله تعالى، إمّا على حذف مضاف أي: من بعد خذلانه، أي من بعد ما يخذل من الذي ينصر.
وإما أن لا يحتاج إلى تقدير هذا المحذوف، بل يكون المعنى: إذا جاوزته إلى غيره وقد خذلك فمن ذا الذي تجاوزه إليه فينصرك؟ ويحتمل أن يكون الضمير عائدًا على المصدر المفهوم من قوله: {وإن يخذلكم}، أي: من بعد الخذلان.
وجاء جواب: إن ينصركم الله بصريح النفي العام، وجواب وإن يخذلكم يتضمن النفي وهو الاستفهام، وهو من تنويع الكلام في الفصاحة والتلطف بالمؤمنين حتى لا يصرّح لهم بأنه لا ناصر لهم، بل أبرز ذلك في صورة الاستفهام الذي يقتضي السؤال عن الناصر، وإن كان المعنى على نفي الناصر.
لكنْ فرَّقَ بين الصريح والمتضمن، فلم يجر المؤمنين في ذلك مجرى الكفار الذي نص عليه بالصريح أنه لا ناصر لهم كقوله: {أهلكناهم فلا ناصر لهم} وظاهره النصرة أنها في لقاء العدو، والإعانة على مكافحته، والاستيلاء عليه.
وأكثر المفسرين جعلوا النصرة بالحجة القاهرة، وبالعاقبة في الآخرة.
فقالوا: المعنى إنْ حصلت لكم النصرة فلا تعدوا ما يعرض من العوارض الدنيوية في بعض الأحوال غلبة، وإن خذلكم في ذلك فلا تعدوا ما يحصل لكم من القهر في الدنيا نصرة، فالنصرة والخذلان معتبران بالمآل.
وفي قوله: {إن ينصركم الله} إشارة إلى الترغيب في طاعة الله، لأنه بين فيما تقدم أنّ من اتقى الله نصره.
وقال الزمخشري في قوله: {وعلى الله}، وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه، لعلمهم أنه لا ناصر سواه، ولأن إيمانكم يوجب ذلك ويقتضيه انتهى كلامه.
وأخذ الاختصاص من تقديم الجار والمجرور وذلك على طريقته، بأن تقديم المفعول يوجب الحصر والاختصاص. اهـ.

.فصل نفيس لابن القيم:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}.
أصل الخذلان الترك والتخلية ويقال للبقرة والشاة إذا تخلفت مع ولدها في المرعى وتركت صواحباتها خذول.
قال محمد بن إسحاق في هذه الآية: {إن ينصرك الله فلا غالب لك} من الناس ولن يضرك خذلان من خذلك وإن يخذلك فلن ينصرك الناس أي لا تترك أمري للناس وارفض الناس لأمري.
والخذلان أن يخلي الله تعالى بين العبد وبين نفسه ويكله إليها والتوفيق ضده أن لا يدعه ونفسه ولا يكله إليها بل يصنع له ويلطف به ويعينه ويدفع عنه ويكلأه كلاءة الوالد الشفيق للولد العاجز عن نفسه فمن خلى بينه وبين نفسه هلك كل الهلاك ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس فإن تولاه الله لم ظفر به عدوه وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان كما يفترس الذئب الشاة.
فإن قيل فما ذنب الشاة إذا خلى الراعي بين الذئب وبينها وهل يمكنها أن تقوى على الذئب وتنجو منه؟
قيل لعمر الله إن الشيطان ذئب الإنسان كما قاله الصادق المصدوق ولكن لم يجعل الله لهذا الذئب اللعين على هذه الشاة سلطانا مع ضعفها فإذا أعطت بيدها وسالمت الذئب ودعاها فلبت دعوته وأجابت أمره ولم تتخلف بل أقبلت نحوه سريعة مطيعة وفارقت حمى الراعي الذي ليس للذئاب عليه سبيل ودخلت في محل الذئاب الذي من دخله كان صيدا لهم فهل الذئب كل الذئب إلا الشاة فكيف والراعي يحذرها ويخوفها وينذرها وقد رآها مصارع الشاة التي انفردت عن الراعي ودخلت وادي الذئاب قال أحمد بن مروان المالكي في كتاب المجالسة سمعت ابن أبي الدنيا يقول أن لله سبحانه من العلوم ما لا يحصى يعطي كل واحد من ذلك ما لا يعطي غيره.
لقد حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حمد بن سعيد القطان ثنا عبيد الله بن بكر السهمي عن أبيه أن قوما كانوا في سفر فكان فهم رجل يمر بالطائر فيقول أتدرون ما تقول هؤلاء فيقولون لا فيقول تقول كذا وكذا فيحيلنا على شيء لا ندري أصادق فيه هو أم كاذب إلى أن مروا على غنم وفيها شاة قد تخلفت على سخلة لها فجعلت تحنو عنقها إليها وتثغو فقال أتدرون ما تقول هذه الشاة قلنا لا قال تقول للسخلة الحقي لا يأكلك الذئب كما أكل أخاك عام أول في هذا المكان قال فانتهينا إلى الراعي فقلنا له ولدت هذه الشاة قبل عامك هذا قال نعم ولدت سخلة عام أول فأكلها الذئب بهذا المكان ثم أتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو ويحنو عنقه إليها فقال أتدرون ما يقول هذا البعير قلنا لا قال فإنه يلعن راكبته ويزعم أنها رحلته على مخيط وهو في سنامه قال فانتهينا إليهم فقلنا يا هؤلاء إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته ويزعم أنها رحلته على مخيط وأنه في سنامه قال فأناخوا البعير وحطوا عنه فإذا هو كما قال فهذه شاة قد حذرت سخلتها من الذئب مرة فحذرت وقد حذر الله سبحانه آدم من ذئبه مرة بعد مره وهو يأبى إلا أن يستجيب له إذا دعاه ويبيت معه ويصبح {وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم}. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا}.
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ سبحانه وَتعالى لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هَزِيمَةَ مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَتْ بِوَسْوَاسٍ مِنَ الشَّيْطَانِ اسْتَزَلَّهُمْ فَزَلُّوا أَرَادَا أَنْ يُحَذِّرَهُمْ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي أَفْسَدَ الشَّيْطَانُ بِهَا قُلُوبَ الْكَافِرِينَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا أَيْ لَا تَكُونُوا مِثْلَ هَذَا الْفَرِيقِ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِأَجْلِ إِخْوَانِهِمْ أَوْ فِي شَأْنِ إِخْوَانِهِمْ فِي النَّسَبِ أَوِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَذْهَبِ، إِذَا هُمْ ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ- أَيْ سَافَرُوا فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَالْكَسْبِ- فَمَاتُوا، أَوْ كَانُوا غُزًّى أَيْ غُزَاةً- وَهُوَ جَمْعٌ لِغَازٍ مِنَ الْجُمُوعِ النَّادِرَةِ وَمِثْلُهُ عُفًّى جَمْعُ عَافٍ- سَوَاءٌ كَانَ غَزْوُهُمْ فِي وَطَنِهِمْ أَوْ فِي بِلَادٍ أُخْرَى فَقُتِلُوا: لَوْ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا، أَيْ مَا مَاتَ أُولَئِكَ الْمُسَافِرُونَ، وَمَا قُتِلَ أُولَئِكَ الْغَازُونَ، وَقَرْنُ هَذَا الْقَوْلِ بِالْكُفْرِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مُؤْمِنٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْدُرُ مِنَ الْكَافِرِينَ وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ مُصَادِمٌ لِلْوُجُودِ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَقَدِ انْتَهَى أَمْرُهُ وَصَارَ قَوْلُ (لَوْ كَانَ كَذَا) عَبَثًا لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَرْتَفِعُ، وَالْحَسْرَةَ عَلَى الْفَائِتِ لَا تُفِيدُ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ أن يكون صَحِيحَ الْعَقْلِ سَلِيمَ الْفِطْرَةِ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ سبحانه الْخِطَابَ فِي كِتَابِهِ مُوَجَّهًا إِلَى الْعُقَلَاءِ، وَبَيَّنَ أَنَّ أُولِي الألباب هُمُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَهُ وَيَتَذَكَّرُونَ بِهِ وَيَقْبَلُونَ هِدَايَتَهُ، وَقَالَ فِيمَنْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَأن لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [7: 179].